((فستـــــــــــان زفــــــاف))قصه قصيره
تفحصت نفسها أمام المرآة قبل أن تنزا إلى""خالد""الذي سيراها لأول مرة..أبعدت يديها عن خصلاتها المنثورة على كتفيها وأخذت تفكر..كثير من الخطاب تقدموا لها ولكن ما إن يدخلوا ويروها الرؤية الشرعية حتى يعلنوا انسحابهم من اليوم الثاني رغم أنها جميلة بشهادة كل من رآها..!حبست بشموخ دمعة كادت تسقط من عينها وردد قلبها بإيمان:((إنها أقدار الله))..ونزلت وقلبها يقصف..هل سيلحق هذا الخاطب بركب من قبله؟؟هكذا تساءلت وهي تهم بدخول المجلس..جلست بهدوء وما إن رفعت عينيها لتراه حتى تجهم وجهها..وبدا الغضب واضحا على ملامحها..فأخذ والدها يغمز لها لتفك كشرتها تلك..ولكن الصدمة جعلتها تفقد الإحساس بكل شيء حولها سوى الإحساس بالتقطع من الغيظ والحنق على شخص مثل هذا يخطبها...
أشار لها والدها لتخرج قبل أن يلاحظ الخاطب عبوسها..فخرجت تحبس دموعها,وقلبها يبكي قبل عينيها حزنا وألما..فتلقتها والدتها عند الباب قائلة بسعادة:((هآ..بشري))؟,فركضت إلى غرفتها هاربة من الإجابة وارتمت بجسدها المثقل بالهموم على سريرها..وأطلقت دموعها..وأخذت تفكر بصوت مرتفع:((ماذا أفعل بمثل هكذا رجل؟!كيف أنا الفتاة الحميلة تاخذ رجلا يمتلك مواصفات أقل من عادية)),ثم صرخت بعد صمت قصير:((إنـــــــــه يشبــــــه الأفعــــــى))..بكت طويلا,فتعبت وأخلدت ذهنها المنشغل لغفوة قصيرة...
وما إن حل الظلام حتى رأت نفسها تائهة كما لم تجد نفسها كذلك من قبل..دخل عليها والدها وسألها:((هل توافقين عليه ياروان))..وكانت ملامحه تشي بالرغبة الملحة في ذاك..فخرجت إجابتها من فمها بصعوبة:((أ..أوافق))..وكان ذالك خيارها الوحيد إذ إنها خشيت أن يكون خالد هو آخر الخاطبين إن قامت برفضه..وما إن خرج والدها حتى انخرطت في بكاء طويل..استغرق منها الليل كله...
مضت الأيام سريعة وقلب روان يزداد ثقلا بالآهات الخفية في صدرها..وخوفا كلما تذكرت بأن ملكتها قد اقتربت فتفكر ألف مرة ومرة فيما إذا كانت قد اختارت الخيار الصحيح...
حتى جاء ذلك اليوم وأصبح دخولها على خالد لثاني مرة وشيكا..فوقفت أمام المرآة متأملة نفسها..كانت ترتدي فستانا ذا لون جميل يميل إلى اللون البرتقالي قليلا ولكنه أكثر منه هدوءا..وتزينه قطع الكريستال الصغيرة المركبة بعشوائية عليه..وفي الحقيقة أن روان لم تكن تريد فستانا بهذا التكلف لكن أمها أصرت فرحا بابنتها الوحيدة...
وتمنت لو أنها تحضر حفلها متحجبة عزاء على هذا الحظ التعيس كما تصفه مع نفسها دائما..ولكنها سرعان ما سخرت من فكرتها الساذجة تلك..واقتصرت على وضع بودرة خدود وكحل وأحمر شفاه زادها زينة وجمالا...
جلست مع النساء تغتصب على شفتيها ابتسامة تحمل حزنا دفينا لا يعلمه أحد سواها..وكانت عبارات التباريك تعبث بجرحها فتزيد من ألمها..إذا أنها ماكانت تسمع إلا تعاز ومواساة...
جلست لنصف ساعة تقريبا عند النساء ثم ذهبت إلى المجلس حيث زوجها ينتظرها بلهفة هناك..وجلست بجواره تطالع السقف..سألها عن حالها فلوت فمها واجابت عن غير رغبة:((بخير)),ثم غرقت في صمتها من جديد..لاحظ صمتها فيما هو مسترسل في بالحديث فسألها بلطف:((لم لا تتحدثين؟هل أنتِ متعبة))؟,فابتسمت متظاهرة بالحياء بينما هي لم تكن تود الحديث مع أحد مطلقا...
مرت الليلة بسلام,ولم يبدي العريس أي انزعاج منها,بل ودعها بود آملا أن يراها عما قريب..وما إن خرج حتى انطلقت إلى غرفتها ودفنت وجهها في وسادتها تسترجع صور زوجها في ذهنها وتتساءل في ألم:((هل سيكون هذا زوجي؟..هل هذا من رسمته في مخيلتي منذ طفولتي؟..هل سنعيش معا؟..وتحت سقف واحد))..جمعت جسدها إلى بعضه وكأنها تلتقط بعضا من أحلامها المشتتة..ونامت باكية...
قامت في الصباح ونظرت إلى مرآتها..لترى جمالها الذي تعتقد أنه ضاع منذ لحظة اقترانها بخالد..ولكن مرآتها خذلتها في هذه المرة..فتراجعت للوراء برعب..لقد ساح الكحل على وجنتيها..وعينيها مورمتان من دموع البارحة..لكنها أخيرا وجدت سببا لتضحك..فضحكت..أوقف ضحكتها البريئة صوت هاتفها الخلوي..اقتربت منه ببطء وأجابت ببرود:((ألو..نعم))..
((أهلا ياعزيزتي..هل أيقظتك من نومك))؟..
أجابت بتململ:((لا..لقد استيقظت لتوي قبل أن تتصل))..
فقال ممازحا:((أتعلمين..إنها المرة الأولى التي أسمع فيها فتاة مستيقظة من النوم لتوها وصوتها بهذا الرقة والعذوبة))..
فغرت فاها..وصمت كل شيء حولها..حتى شعورها بالضجر زال تماما..وأخذت تعيد كلماته الأخيرة تلك مرات ومرات في ذهنها وتتساءل في نفسها بنشوة:((أ..أنا..أنا..صوتي عذب..رقيق..أنا تلك الفتاة التي يسخر منها الآخرون واصفين صوتها بصوت رجل كهل عجوز..أ..أنـــــــا))؟!
ناداها:((روان..روان))..
أجابت متلعثمه:((نـ..نعم))..
فبدأ يسترسل بالحديث..وكان ذهنها في هذه المرة كله معه..وتصغي إليه بقلبها قبل أذنيها...
قال لها:((أتعلمين كم أنتِ جميلة))؟..
فأجابت بلا شعور:((وأنت أجمل))...
ومنذ تلك المكالمة وروان تحب خالد بشدة..وتنتظر بلهفة اليوم الذي ستنتقل معه إلى منزلهما..أحبته كثيرا..وخبأت صورته في مكان تأمن فيه عليها..((قلبها))..وأحست منذ لحظتها بالدفء لهمساته...
وأخيرا في أحد الأيام بينما هما يجلسان ويتحادثان,اتفقا على أن يكون حفل زفافهما بعد ثلاثة أشهر فقط..وفرحت روان كثيرا لقرب الموعد المنتظر..وطفقت في شراء الملابس وغيرها,تعاونها في ذلك أمها...
ولم يبقى سوى فستان الزفاف الذي أصرت روان أن تفصله بنفسها...
وذات مساء كانت الشمس تغوص مودعة سماء الرياض الجميلة..وبدت وكأن الأرض تبتلعها إلى جوفها..بينما وقفت روان تتابع غروبها اتصل بها خالد..
((ألو..وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..أهلا خالد))..
((كيف حالكِ))؟..
((بخير))..
((حسنا..لقد عدت لتوي من السوق ولشتريت لكِ مفاجأة..فهل ستستقبلني الأميرة في بيتها))؟..
فضحكت ثم قالت:((بالطبع..الأميرة لاترد أحبابها أبدا..أهلا وسهلا بك))..
أطلق ضحكة خفيفة ثم ودعها...
أغلقت الخط..وسحبت نفسا عميقا..وطفقت تتزين أمام المرآة وهي تتذكر تلك المحادثة الهاتفية التي غيرت شعورها نحوه بفضل الله..وبقدر الكره الذي كرهته من قبل..أحبته الآن...
نظرت إلى ساعة معصمها مرارا وهي تتلفت حولها بقلق..إنها العاشرة..لمَ لم يحضر حتى الآن؟!..أتراه عدل عن المجيء..هزت كتفيها قائلة:((ربما))..أطفأت أجهزة التبريد وأنوار المجلس وذهبت لتحدث أمها بشأن فستان الزفاف..
ولكنها استغربت حين رأتها مع والدها متلاصقان ويتهامسان بحذر..ولكنها تجاهلت كل هذا..وقالت وهي تتقافز كالصغار:((أمي..يا أمي..لقد انتهى الخياط منذ يومين من حياكة فستاني..لم لا نذهب ونحضره الآن..أنا متحمسة لتجريبه يا أمي))..فقامت أمها وتقدمت ببطء تجر خطاها جرا,,وكان لها وجه يشي بالحزن والقلق..وقالت:((في الحقيقة يابنتي..أن..أن خالد قد...)),ثم صمتت وهي تلحس شفتيها,وتحبس دموعها..فأثارت شكوك روان فصرخت:((أمي..مالذي حدث يا أمي..هل تخلى خالد عني أيضا..مالذي حدث..أخبريني))..فقالت بعد برهة من الصمت:((لا ياعزيزتي خالد لم يتخلى عنكِ..ولكنه تعرض لحادث مروري..و..وقد..لدعي له بالرحمة يابنتي))...
جاءتها هذه الكلمات فتبعثرت أحلامها..وتشتت آمالها..إنها أرملة الآن..بل وحتى ثكلى..بل وكل شيء..ثم أحست بالدوار وسقطت مغشيا عليها...
استيقظت بعد دقائق على رائحة البصل النفاثة..فأبعدت يد والدتها الممسكة بقطعة البصل..وقالت ببطء:((أمي..هل سنحضر الفستان الآن))؟....